تاريخ الجـ ـناح و الأسود ما بين الحق والتحقيق
الصفحة المئة وسبعة من كتاب فلسطيني بلا هوية يقول الشـ ـهيد صلاح خلف "وهكذا فقد أعطيت الصحافة في 15 من نيسان عام 1968 بيانا يعلن تعيين ياسر عرفات ناطقا باسم فتـ ـح (وبالتالي باسم العـ ـاصفة) موضحا بأنه الشخص الوحيد الذي يحق له الكلام باسم الحركة، كما نشرت كذلك تصريحا قصيرا باسم عرفات حررته دون علمه يعلن فيه قبوله لمسؤولياته الجديدة مضيفا أن قيادة فتـ ـح تظل قيادة جماعية".
ماذا وراء هذا القرار والذي على اثره اعتبر الشـ ـهيد ياسر عرفات حاملا أمانة الشعب الفلسطيني؟
بعد معـ ـركة الكرامة أدى نمو حركة فتـ ـح وتطورها الى بعض المشاكل التنـ ـظيمية، واحدى أخطر هذه المشاكل كانت أنه ورد تقرير لصلاح خلف وهو رئيس جهاز الاستـ ـخبارات في حركة فتـ ـح أن أحد الأعضاء ينوي اعلان نفسه قائدا لقوات العـ ـاصفة وهكذا يكشف أن العـ ـاصفة هي الجـ ـناح العسـ ـكري لحركة فتـ ـح مما تطلب منه الحل العاجل دون تضييع الوقت فاضطر أن يتخذ القرار دون الرجوع لأعضاء اللجنة المركزية بأن يقطع الطريق على أي عضو وكادر يريد فرض نفسه قائدا للعاصـ ـفة بأن أعلن أن الياسر عرفات هو الناطق باسم حركة فتـ ـح.
السؤال، لماذا لم يقل الناطق باسم العاصـ ـفة؟
في حينها لم يكن معلنا أن العاصـ ـفة هي الجـ ـناح العسكري لحركة فتـ ـح وكان رؤساء الدول والعالم يعتقدون أن حركة فتـ ـح تنـ ـظيم والعاصـ ـفة تنـ ـظيما آخر وفي ذات الوقت أن ياسر عرفات وأعضاء اللجنة المركزية هم أعضاء في حركة فتـ ـح فقط، لذا بإعلان ياسر عرفات ناطقا باسم حركة فـ ـتح يقطع الطريق أمام من يريد الاستحواذ على العاصـ ـفة ولن يستطيع أي من كان يريد الاستحواذ بعد هذا الاعلان التفكير بأن يعلن نفسه قائدا للعاصـ ـفة والا لكان اعلان هذا المستحوذ هو القول بأن العاصـ ـفة بالفعل تنظـ ـيم آخر والمفاجأة أن حركة فتـ ـح لن تتضرر كما يظن، فالعـ ـاصفة كانت درعا لحركة فتـ ـح، ففي حال فشلت العاصـ ـفة لا تتأذى حركة فتـ ـح أمام العالم تماما كأيـ ـلول الأسـ ـود.
وقد كان من الممكن لصلاح خلف أن يعلن نفسه ناطقا فهو متحدث سـ ـياسي بارع ودارسا للفلسفة ومعلما وأحد أهم مؤسسي حركة فتح وكان يذهب كثيرا في ذلك الوقت للقاء رؤساء الدول وجمع التبرعات وأخذ الدعم العـ ـسكري والسيـ ـاسي، لكن ما نتعلمه من إعلانه لأجل الحاضر والآن هو أنه ان كان هذا قائد وذاك قائد الا أن بعض المهمات لا تليق الا بشخص بعينه فلا يكفي أن تكون قائدا أو ذكيا كي تستحوذ على مهمة ما، ثم ان صلاح خلف قد تفادى أي تهمة انه اعتبر نفسه قائدا نظرا للجهود التي قام بها مع الدول العربية والغربية ولذا أعطى مهمة الناطق باسم حركة فتـ ـح لياسر عرفات دون علمه هكذا أثبت فعلا أن القيادة في حركة فتـ ـح هي قيادة جماعية، وهنا نتوقف أمام ذكاء تصريحه هذا فعندما قال هذا صلاح خلف يكون أيضا قد قال بطريقة غير مباشرة كل من يعين نفسه قائدا لحركة فتـ ـح أو العاصـ ـفة فهو ليس منا فليس هناك قائداً، بل قادة يجتمعون لأجل اتخاذ القرارات.
ومن بعد جـ ـناح العاصفة والتحقيق العالمي حول من وراءها، جاء الأيـ ـلول الاسـ ـود التي كانت تقوم بعمليات خطرة وفريدة من نوعها، وكان التساؤل "هل هذا الأسود ينتمي لحركة فتـ ـح أو لجـ ـبهة من الجبـ ـهات الفلسطينية؟"، ويشهد التاريخ كيف كانت تتسابق الأقلام على احتضان الأيلـ ـول الأسـ ـود وحقيقته رفضت كل مشبوه ولفظت كل عميل وخائن إلى أن أصبح رمزاً للقوة الخطيرة راسماً تاريخاً من البطولة لأنه كان حقيقياً يعلم هدفه متى وكيف وأين يتحقق دون أن يدفع الشعب الفلسطيني الثمن الأعظم.
في الأمس القريب، واليوم وغداً الغير بعيد، فإن التاريخ يعيد نفسه لكنه يجمع بين جـ ـناح وأسود غير معروف الماضي والحاضر والمستقبل منه، ولكن البنـ ـدقية المسـ ـيسة التي رسمت هدفا سيـ ـاسي للشعب الفلسطيني هي من يكتب عنها تماماً كما نكتب بفخر عن العاصـ ـفة والأيـ ـلول الأسـ ـود.